أ د. عـادل كمـال خضـر
أستاذ ورئيس قسم علم النفس
كلية الآداب _ جامعة بنـها
E. mail :
adelkhedr@yahoo.com
نعرض فيما يلي لبعض نماذج الأحلام وتحليلها ، وسوف نركز على دلالات الرموز ، وكيف
أن هذه الرموز محتومة بمعاني معينة تؤدي الهدف من انتقائها من بين كل الرموز
الممكنة ..
حلم رقم ( 1 ) :
وهو لطالبة جامعية مخطوبة لشاب تحبه حباً جماً ، كان الشاب محور تفكيرها
وأغدقت عليه من حبها الكثير لدرجة أنها لا تتصور أن يمر يوماً دون أن ترى هذا
الحبيب .. وبالرغم من أن البعض من أقاربها قد نصحها بأن تنفصل عن هذا الشاب لسوء
سلوكه ، إلا أنها تمسكت به ، بل أنها من شدة حبها له حدث أن سلمت نفسها له فواقعها
.. وبعد ذلك أخذ يتهرب منها ويماطلها في إتمام الزواج .. واتضح لها متأخراً أن هذا
الشاب يلهو بها ، وليس يهدف سوى قضاء وقت ممتع معها ، وأن له علاقات أخرى مع بعض
الفتيات الأخريات ، وآنذاك تأكدت الفتاة من أن خطيبها رجل سيئ الخلق ولا ينوي إتمام
الزواج بها .. وتم الانفصال بينهما وفشلت الخطبة .. وإبان هذه الخبرة المؤلمة رأت
الحلم التالي :
" رأيت نفسي وقد ربطت يدي بحبل ، وكل من يرى يدي مربوطة يقول لي فكي هذا الحبل ،
فكنت أستعجب لما يقولون ، فأنا وإن كنت أرغب في أن أفك الحبل إلا أنني أود لو ظللت
هكذا مقيدة ، فيمر عليَّ آخرون ويقولون لي فكي هذا القيد ، فإذا بي بعد تردد ، أقوم
بفك القيد وأنجح في ذلك ، فيقع الحبل على الأرض ثم يتحول الحبل إلى ثعبان ، وآنذاك
بدأت أعاني من القلق واستيقظت من النوم " .
التفسـير :
من الملاحظ أن هذا الحلم يعبر من خلال الرمز عن خبرات واقعية تعيشها هذه
الفتاة ، حيث يعبر الحلم عن خبرة ماضية في حياتها وهي فشل خطبتها ، واختلاف نظرتها
تجاه خطيبها من الحبيب المرغوب إلى الغادر المرفوض ، وقد عبر إخراج الحلم عن
الخطوبة والارتباط بين الحبيبين بربط اليد بالحبل ، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح
الارتباط بينهما قيد يجب أن تتخلص منه ، ونجد بعد ذلك محاولات متعددة من جانبها لفك
الحبل ( الخطوبة ) ، بعد أن كانت تتعجب من الآخرين الذين كانوا يطالبونها بفك
الخطوبة ، ثم بعد تردد تنجح أخيراً في ذلك ، ويقع الحبل ( رمز للخطيب المحبوب ) على
الأرض فينكشف ويظهر على حقيقته إذ يتحول إلى ثعبان ( رمز للحبيب الغادر الجحود ) .
ونجد في هذا الحلم رمزية أخرى ، وهي الوقوع على الأرض ، فقد وقع الحبل على الأرض
فتحول إلى ثعبان ، ومعنى هذا أن الوقوع على الأرض رمز لانكشاف الحقيقة - ويقول الحس
الشـعبي في هذا " وقعت يا حلو " - فعندما وقع الخطيب من نظر الحبيبة تحول إلى ثعبان
" أي ظهر على حقيقته " .. ولم يكن من الممكن أن تدركه على أنه ثعبان إلا بعد أن يقع
من نظرها وتكشف حقيقته ، ومعنى ذلك انتهاء الحب من جانبها ، وبالتالي نظرة موضوعية
من جانب الفتاة تجاه حبيبها السابق - الذي ضحك عليها وغرر بها - فإذا بها تدركه على
أنه ثعبان .
حلم رقم ( 2 ) :
صاحب هذا الحلم مدرس ثانوي ، كان قد أقام علاقة عاطفية حديثة ببنت الجيران ،
غير أنه كان يجد حرجاً شديداً لوجود هذه العلاقة في حياته نظراً لأنها لم تكن في
إطار رسمي ، وخاصة أن هذا المدرس يكن لوالد الفتاة احتراماً خاصاً ، كما كان والد
الفتاة يقدر هذا المدرس ويرفعه لمكانة الابن .. وقد حدث ذات يوم أن والد المدرس قد
مرض وأدخل المستشفي لإجراء جراحة هامة ، فقام والد الفتاة بزيارة والد المدرس
بالمستشفى للاطمئنان على حالته .. عند ذلك قطع المدرس علاقته بابنة جاره الشيخ
الطيب ، ولم يحاول الاتصال بها بعد ذلك .. وآنذاك جاءه الحلم التالي :
" رأيتني وكأنني في محل لبيع أدوات خردوات ، أو كأنه سوبر ماركت مثلاً ، من النوع
الذي يدخل فيه الفرد فينتقي ويختار أي شيء يرغبه ثم يحاسب ويدفع الثمن عند الخروج ،
واشتريت أشياء كثيرة ، وعند خروجي وجدت أن الفرصة سانحة أمامي لسرقة " شبشب "
فأخذته وخرجت بالأشياء ، وفي منتصف الطريق وطول هذه المسافة التي قطعتها نحو منزلي
وأنا في قلق وصراع وتأنيب لنفسي كيف أسرق هذا " الشبشب " ، حتى انتصر شعور التأنيب
وعدت إلى المحل وتظاهرت بأنني أسأل عن شيء ما وأعدت " الشبشب " مكانه وخرجت " .
التفسـير :
إذا ما تناولنا الحلم وفسرناه في ضوء الحياة الاجتماعية للحالم ، نجد أن هذا
الحلم ما هو إلا تعبير عن الواقع في نمط مختلف من التعبير . ففي الحلم يرى الحالم
نفسه في محل أو سوبر ماركت لشراء بعض الحاجات التي يدفع ثمنها عند الخروج .. وفي
الواقع هو على علاقة طيبة بأب هذه الفتاة التي أقام معا علاقة عاطفية ، وما كان له
أن يأخذ شيئاً من منزله إلا بثمنه .. فالمحل هنا رمز للمنزل ، وبالتالي فإن صاحب
المحل يكون أب الفتاة ، وبما أن المدرس يقيم علاقة مع ابنة جاره دون علم صاحب المحل
( الأب ) ، فهذا يعني أن المدرس لم يأت شاري كما يقول الحس الشعبي ، وتصبح هذه
العلاقة آثمة أي لم يدفع ثمنها . فسرقة الشبشب ما هي سوى رمز يدل على إقامة علاقة
غير شرعية مع بنت الجيران .. فالشبشب رمز لبنت الجيران .. ولكن لما يكون الشبشب رمز
لبنت الجيران ؟ هذا ما اتضح من مستدعيات الحالم التي قال فيها أنه كان يجلس بجوار
النافذة ، وبنت الجيران كانت تقف في البلكونة ، وعندما لا يكون منتبهاً إليها تريد
أن تعرفه بأنها بالبلكونة فكانت تحك " الشبشب " بالأرضية البلاط للبلكونة ، فيحدث
ذلك صوتاً فيتنبه كونها موجودة بالبلكونة . أما عن السرقة فقد تداعى عنها الحالم
بكلمة واحدة هي " اغتصاب " ، ثم روى كيف أنه أراد في يوم أن يعطي خطاباً لابنة جاره
، فتوجه نحو نافذة حجرتها وألقى بالخطاب ، وأنه كان يحس في هذه اللحظة أنه يسرق
شيئاً ما . ولذا نجد أن شعوره بالذنب جعله يرجع من منتصف الطريق ليضع " الشبشب "
مكانه في المحل ، حيث أسلم البنت لأبيها ، وأنهى علاقته بابنة الجيران .
تعليقات
إرسال تعليق