يحكى أن شاباً مسلماً صالحاً أراد أن يتزوج من امرأة يحسبها طيبة صالحة، وبالفعل لم يكن يظهر له منها في البداية إلا الخير، وكان يرى من الرؤى ما فيه تزكية لهذه المرأة ولصلاحها، وتبشير بحياة سعيدة معها، فتزوجها فعلاً، وعاشا أوقاتاً سعيدة، وتحققت الرؤى.
ولكن بعد بضعة أشهر انقلبت المرأة عليه، وتنكرت له، وتركته يُعاني أشد المعاناة، وفضَّلت أن تتزوج من رجل غني فاسد ذي منزلة على أن تكافح مع المسلم الصالح اقتصادياً واجتماعياً. فبدأت رؤاه فيها تتغير، فبعد أن كانت تزكيها، بدأت تذمها وتبين مساوئها، وبعد أن كانت تبشره بالزواج منها صارت تحمد له الخلاص منها، وبعد أن كانت تبين له محاسنها، صارت تكشف له مساوئها وعيوبها.
فتعجب الشاب المسلم من هذا الانقلاب في الرؤى، فسأل شيخاً مفسراً عالماً بها وبأحوالها: كيف يمكن أن تنقلب الرؤى من النقيض إلى النقيض؟ وكيف يمكن أن تزكي الرؤى المرأة في البداية ثم تذمها بعد ذلك بوقت قصير؟
فقال له الشيخ المفسر: يا أخي تنقلب الرؤى من النقيض إلى النقيض كما تتقلب القلوب من النقيض إلى النقيض، وكما ينقلب المسلم فيصبح كافراً، وينقلب الملتزم فيصبح فاجراً، وينقلب الطائع فيصبح عاصياً، أو العكس.
فالرؤى هي تعبير عن واقع المسلم، فإذا تمسَّك، والتزم، فلم يُفرِّط، ولم يبَِـع، عبَّرت الرؤى عن حاله، وإن تَرَك، وتخلَّى، وفرَّط، وباع دينه بعَرَض من أعراض الدنيا، تبدلت الرؤى وتغيرت تبعاً لذلك.
ولو عادت هذه المرأة إلى سابق عهد صلاحها، لعادت الرؤى لتزكيها مرة أخرى كالسابق.
ثم أكمل الشيخ كلامه قائلاً: فقد تعبر الرؤى عن حالة مؤقتة، وليست بالضرورة دائمة، فمن رأى في المنام أنه اغتنى، فاغتنى فعلاً، فليس معنى ذلك بالضرورة أنه لن يفتقر أبداً، ومن رأى في منامه أنه تزوج وعاش سعيداً، فتزوج فعلاً وسَعِد، فليس معنى ذلك بالضرورة أن تستمر هذه السعادة أبداً، ومن رأى في منامه أنه أنجب طفلاً، فأنجب فعلاً، فلا يعني ذلك بالضرورة أية ضمانات لما سوف يحدث للطفل بعد ذلك.
فسأل الشاب الشيخ المفسر: إذن فما هو المَخرَج؟ قال الشيخ: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾، فقال الشاب: ليس عندي مال لأتزوج، ولا عمل لأنفق على أسرة؟ فرد الشيخ: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، فقال الشاب: ومن يضمن لي ألا يتكرر ما أصابني من المعاناة والتعاسة والألم مرة أخرى، وقد فسد الناس وفسدت أخلاقهم؟ فرد الشيخ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، فقال الشاب: أسبابي في الحياة أضعف من أن تصل بي إلى أي خير مرجوٍّ، فرد الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾، فقال الشاب: الله أكبر! وخرج من عند الشيخ المفسر متوكلاً على ربه (تعالى) محسنا به الظن (سبحانه).
تعليقات
إرسال تعليق