القاعدة التاسعة و العاشرة في تفسير الاحلام


لا توجد قواعد شاملة لتفسير الرؤى. وذلك بمعنى أنه لا توجد قاعدة في تفسير الرؤى يُمكن تطبيقها على جميع الرؤى مُطلقاً، بل ولا حتى على جميع الرؤى التي تندرج تحتها، فقد يكون للقاعدة الواحدة استثناءات عديدة.
ولكن  هناك من القواعد ما نستطيع القول بأنه يمكن تطبيقها على عدد غير قليل من الرؤى، وتفسيرها به. ومن هذا المنطلق، تكتسب هذه القواعد أهميتها، وتستحق أن تؤخذ في اعتبار المُهتمين بالرؤى وتفسيرها.                     
  القاعدة التاسعة

حسن حال الفاسد في المنام سوء حاله في اليقظة، وسوء حال الصالح في المنام حسن حاله في اليقظة

من المآسي التي ابتلي بها المسلمون هي الإسراع في الحكم على الناس من خلال الرؤى، ولو كانت أدلة الواقع تخالف هذا الحُكم.


فمثلاً: شخص فاسد، لم يُعرف عنه تقوى لله (تعالى) في يوم من الأيام، فلا صلاة، وزكاة، ولكن كذب، ونفاق، وسوء أخلاق، ثم تجد امرأة تقول: رأيت في هذا الشخص في المنام أن وجهه أبيض يُشع نوراً، وتستدل بهذه الرؤيا على أنه شخص صالح، وتبني على ذلك أوهاماً وأحلاماً رغم ظهور الدليل الواقعي القاطع على فساده.
ولا شك أن هذه المرأة قد أخطأت إذا ظنت أن الرؤيا يمكن أن تكون دليلاً على صلاح أنسان ظهر من الأدلة والبراهين في الواقع ما يدل على فساده.
وعلى النقيض، مسلم صالح، شهد له الناس بأنه إنسان طيب من أهل الخير، معروف بالتقوى وحسن الأخلاق، ثم تأتيك طليقته على سبيل المثال فتقول لك أنها قد رأت في المنام أن وجهه أسود، وأنه في جهنم. وتستدل من خلال هذه الرؤيا على أنها إنسانة مسكينة وبريئة، وأنه شخص مجرم رغم أن الواقع قد يكون بعيداً تماماً عن ذلك.
ولكي نضع حداً وفاصلاً لهذا العبث، فلا بد أن نقرر هنا قاعدة مهمة، وهي أن الأصل في تحديد صلاح الإنسان أو فساده هو علاقته بالله (تعالى) وعلاقته بالناس، أما الرؤى فلا تصلح أن تكون وحدها فقط دليلاً على ذلك، بل تصلح أن تكون دليلاً مع أدلة أخرى واقعية تؤيد ما جاء فيها.
والرؤيا التي قد يتصور المسلم أنها تدل على صلاح شخص قد تكون دليلاً على فساده.
فمثلاً: في الرؤيا السابقة الأولى التي رأت فيها المرأة وجه الرجل أبيض يشع نوراً، والتي حكمت على الرجل فيها بالصلاح بناء على قول الله (تعالى): ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)﴾ [سورة آل عمران]، كذلك، فقد اعتقدت أن النور في الرؤيا لا بد وأن يدل على خير دائماً وفي أي رؤيا؛ لقول الله (تعالى): ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ [النور:35].
هكذا تصورت الأخت الفاضلة، فحكمت على المشهود له بالفساد أنه من الصالحين. ولكن هذه الرموز قد تدل على فساد الرائي أيضاً، فأما بياض الوجه فهو نفاق؛ لأن موسى (عليه السلام) أخرج يده بيضاء للناظرين، ولم يكن هذا هو لونها الحقيقي، أو كما يقول الله (تعالى): ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الشعراء:33]، وأما النور، فقد يدل على النفاق أيضاً؛ لقول الله (تعالى): ﴿ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة:17] (راجع قاعدة التفسير بعكس المعنى).
أما المسلم الصالح الذي افترضنا أن المرأة قد رأته أسود الوجه، وأنه في جهنم. فأما جهنم فقد تدل على بلد غير مسلم يسافر إليه هذا الرجل؛ لأن جهنم هي موطن لغير المسلمين، وأما السواد، فقد يدل على أن هذا الرجل سوف يسود على هؤلاء القوم (راجع قواعد التفسير بعكس المعنى، وبقلب المعنى، وبالتشابه).
وبناء على ما سبق نقول أن حُسن حال الشخص في الرؤيا قد يدل على سوء حاله في اليقظة، إذا كان حاله في الواقع يدل على فساده، بينما قد يدل سوء حال الشخص في الرؤيا على حُسن حاله في اليقظة، إذا كان حاله في الواقع يدل على صلاحه.
وبالتالي، فمن المهم جداً قبل الحكم على الناس من خلال الرؤى التحري عن أحوالهم حتى يستطيع الشخص أن يحكم عليهم من خلال الرؤى باطمئنان وثقة.
والله (تعالى) أعلم.
                       القاعدة العاشرة

تأتي الرموز مخالفة للواقع في الرؤيا للدلالة على أمر غير واقع في اليقظة

نفترض أن امرأة مسلمة صالحة تعيش في دولة من دول الخليج العربي تخشى أن يقوم زوجها بتطليقها، فدعت الله (عزَّ وجلَّ) بعد صلاة فجر يوم 
الجمعة في فصل الصيف ألا يحدث ذلك، فنامت ورأت في منامها التالي:

رأت وكأنها وزوجها في بيتهما القديم (قام الزوجان ببيع هذا البيت في الواقع منذ زمن)، وأنهما يجلسان بحضرة الموظف المختص بتوقيع الطلاق، و
هو نفس الموظف الذي تم على يديه تحرير زواجهما من قبل (توفي هذا الرجل في الواقع منذ عدة سنوات)، ثم تحدث الزوج إلى الموظف، وقال له: 
«أرجوك يا أخي أن تنتهي من تحرير الطلاق الآن وبسرعة؛ لأن عندي عمل اليوم، ولا أريد أن أتأخر عليه أكثر من ذلك»، وفي أثناء هذا الكلام 
 كانت الأمطار تهطل بغزارة، وتضرب زجاج البيت، ثم انتهت الرؤيا.

لاحظ جيداً الرموز التي وردت في هذه الرؤيا، وعلاقة كل رمز بحالته في الواقع، فأما البيت فقد بيع، ولا وجود له في حياة الزوجين، وأما محرر الطلاق فقد مات، ولا وجود له في الدنيا، وأما الزوج المتعجل على الطلاق لأن عنده عمل اليوم، فاليوم يوم الجمعة، وهو يوم عطلة عند هذا الزوج، وأما الأمطار التي تهطل بغزارة، فإن الأمطار لا تهطل على هذه البلاد في هذا الوقت في فصل الصيف.
لاحظ كيف أتت كل الرموز في الرؤيا مُخالفة للواقع تماماً، واستَنتِج معي هذه القاعدة المهمة في تفسير الرؤى، وهي أنه قد تأتي الرموز في الرؤيا مختلفة عن حالتها في الواقع للدلالة على عدم تحقق شيء ما. وبالتالي، يكون تفسير هذه الرؤيا أن الزوج لن يُطلِّق زوجته بمشيئة الله (تعالى).
ومن أمثلة ذلك أيضاً: نفترض أن تلميذاً مُسلماً مجتهداً قد اقترب موعد اختباراته المدرسية النهائية، وأنه يخشى ألا يحصل على درجات جيدة في اختبار الرياضيات، نفترض أن هذا التلميذ قد نام، فرأى في منامه أنه في مدرسة قريبة من مدرسته يؤدي هذا الاختبار (هذه المدرسة مخصصة في الواقع للبنات فقط)، وأن الاختبار عسير جداً، وكأنه يؤدي هذا الاختبار في الليل (لا يؤدي التلميذ اختباراته المدرسية إلا في النهار فقط)، وكأن أحد المدرِّسين من الذين يعرفهم يشرف عليه وعلى زملائه التلاميذ أثناء أدائهم للاختبار (استقال هذا المدرس من المدرسة في الواقع وسافر خارج البلد).
لاحظ في هذه الرؤيا أن جميع الرموز التي وردت فيها مخالفة للواقع، فالمدرسة للبنات، ولا يمكن للتلميذ أن يؤدي الاختبارات فيها، والمدرِّس المشرف ترك البلد وسافر، والوقت ليل، ولا يؤدي الطالب اختباراته في الليل، أما عُسر الاختبار، فهو تيسير من الله (تعالى) على التلميذ (انظر قاعدة التأويل بعكس المعنى).
ومن أمثلة ذلك أيضاً: نفترض أن رجلاً مسلماً موهوماً بالمرض، يعتقد دائماً أنه مريض بدون سبب. ونفترض أن هذا الرجل قد نام فرأى نفسه في المنام وكأنه يرقد في مستشفى ذي اسم معين يعرفه (هذه المستشفى قد تم هدم مبناها منذ زمن، وانتهى عملها في البلد منذ قديم).
لاحظ في هذه الرؤيا، أن المستشفى التي رأى الرجل نفسه فيها غير موجودة في الواقع أصلاً. وبالتالي، فهو ليس مريضاً بفضل الله (تعالى).
والله (تعالى) أعلم.

تعليقات