نسبية المعنى وتغير الرمز بحسب الشروط:
لا يبقى معنى النعلين (الحذاء) هو هو إن ظهر للحالم أنه فقد أحدهما فقط يكون الحفاء، في المنام، دليل الفاقة والفقر ؛ أما إذا فقد نعلاً واحدة فهو رحيل وموت.
وكذلك إذا كانت الضحكة قهقهة فتعبيرها يختلف عما إذا كانت ابتسامة.
وللكمية دورها أيضاً إن الدهن القليل، زينة وملاحة أو وفرة وخصوبة. أما كثرته فتعني سيلانه، ومن ثم المداهنة، وما توحي به هذه الظاهرة النفسية الاجتماعية في علاقات الحالم والتعبير عن عاداته في السلوك (التملق، التصنع، التجامل...)والتعاملية والتواصل.
نلقى ذلك الاهتمام ماثلاً إذاً في البحث عن الحركة والكمية، أو عن النوع والعدد:
إن هدم الدار قليلاً، يرمز على أشياء ليست هي هي إذا كان ذلك الهدم كلياً. ثم إن الجمل إن برك فنذير مرض، إذ أن أحد أفراد العائلة سيبرك في البيت أما إذا كان متحركاً فالجمل يعني عزرائيل. ولكنه قد يعني أيضاً العداوة وعكسها (أي بركة وكربة؛ : برك بمقلوب حروفها أي كرب). وكذلك فإذا كان الخروف مذبوحاً (ومعلقاً في دكان الجزار) فدلالته (إن لم يظهر الدم في الحلم) تختلف عما إذا بدا متحركاً، يرعى، أو عائداً إلى حظيرته. والوقوع في الماء له دلالات تختلف بحسب مستوى المياه التي تغمُّ (تغمر) الجسم. فإذا غمر الماء الجسد حتى الركبة فمعناه خير مما إذا بلغ الماء وسط الجسم أو العنق. ولا نبسط هنا رموز الماء عامة (الولادة، الخصوبة...). يضاف أيضاً أنه، من أجل تشخيص دقيق، يسأل المفسر عن عدد الأشياء التي تظهر في الحلم، وعن نوع الشجر، وجنس الطير . فبتغير النوع والجنس، أو العدد والكمية واللون، يتغير التفسير. لقد التقط الأسلاف أن للرمز أثواباً كثيرة؛ وللمرموز أكثر من رمز واحد، وللمرموزات الكثيرة رمزاً واحداً (مشتركاً).
اختلاف التفسير باختلاف البلد:
يتغير التفسير كلما تغير البلد (المكان، البيئة، الإقامة، العامل الجغرافي)؛ فما هو حسن في هذا البلد قد يغدو شنيعاً هناك. ومثاله البَرَد: يدل على خصوبة في منطقة، وعلى الجدب في مكان آخر. "والطين والوحل لأهل الهند مال، ولغيرهم محنة؛ والسمك في بعض البلاد عقوبة، وفي بعضها تزويج" .
تغيرُ المعنى بتغير الزمان والعُمْر:
قد يُلغي المفسر الشعبي الحلم الذي يكون من نتاج أول الليل، ويقول بصدق الحلم إن جرى لصاحبه قبيل الفجر. ويؤخذ العمر بالحسبان لشدة تأثيره؛ وزمان الطبيعة (مواسمها أو فصولها، وظواهرها) يؤثر في تغير معاني الحلم. ففصل الربيع يعطي أحلاماً صادقة؛ وتكون هنا الدلالات الحلمية مرتبطة بالتجدد والحياة البهيجة. ولمنازل القمر والنجوم دورها في تلوين تفسير الحلم؛ فالظواهر الطبيعية تؤخذ بعين الاهتمام في كل عمليات استكشاف للمعنى الغائر، وفي ولوج الرموز ووَعْيَنةِ اللامتمايز أو الكامن والظلّي في الحلم.
عوامل أخرى مولِّدة للتفسير النسبي والمتعدد والمتغير: يعيد المفسر بعض الأحلام إلى التأثيرات البدنية أو إلى العوامل الداخلية. فأحياناً كثيرة قد يفسر حلماً معقداً أو "غريباً" بأسباب طعامية: التخمة، الجوع، بعض المآكل الغليظة، البصل، الثوم... وقد يعيد المفسر الأسباب إلى أوضاع النائم الخارجية: النوم في غرفة باردة أو حارة، وعلى الظهر أو على البطن، كثرة الأغطية أو قلتها... فإذا كان اللحاف قد وقع على فم الحالم، أو إذا كان الحالم بلا غطاء، فإن الحلم يأتي وفقاً لأي من الحالتين المذكورتين. وكذلك فإن الصوت الخارجي (صوت الجرة المنكسرة) ولّد حلماً عند ابن السريّ المغلّس، والشمس الحارقة ولّدت إحساساً بالاحتراق عند بعضهم، والإسهال ولّد حلماً بساقية مملوءة بالأوساخ ويجري العمل على تنظيفها.
باختصار، إذا شعر النائم بالجوع فإنه "يرى أنه يأكل"؛ وإن كان "ممتلئاً فيرى أنه يتقيأ"؛ وإن كان في أعضائه وجع يرى "أنه يُعذَّب" وهكذا لم يعد الحلم ظاهرة بيولوجية فقط؛ أو ظاهرة نفسانية فقط. ذلك ما عرفه جيداً أسلافنا؛ وما يزال ذلك، في معظمه، صائباً.
تعليقات
إرسال تعليق