هل تفسير الأحلام ضرب من الغيب؟
يجب أن نصحح مفهومنا عن معنى الغيب أولاً، فإن الأرصاد الجوية تثبت لنا عبر العلم أن غداً أو بعد غد سيكون الجو بارداً أو حاراً أو سيأتي إعصار إلخ، هل هذا ضرب من الغيب المحرم؟
المعادلات الحسابية في الأمور المالية المستقبلية ضرب من الغيب، فأصحاب الأموال يحسبون ويدرسون الأمور المالية والتجارة والترويج والإعلانات، لكسب الربح في المستقبل، ويحصل ما يتوقعونه وأكثر، فهل هذا ضرب من الغيب المحرم؟
الدكتور البارع المتخصص يخبر أن هذا المرض مستقبلاً سيكون خطره كذا وكذا، ويخبر أن المرض الفلاني سيقتل فلاناً في شهر كذا، ويحصل غالباً ما يقوله الأطباء، أقول غالباً، أليس هذا ضرباً من الغيب بعلم؟
الأستاذ النبيه والمعلم المبشر، ينظر في حياة الطالب الفطن الذكي المهتم الناجح على أن له مستقبلاً واعداً، ويحصل توقع هذا الأستاذ في المستقبل، فهل هذا ضرب من الغيب المحرّم؟
يجب أن نكون أكثر وعياً وفهماً لمصطلحات الشريعة، فإن علم الغيب نوعان، نوع يتعلق بعلم الغيب المطلق، أي جميع أنواع الغيب بكلياتها وجزئياتها، وكبيرها وصغيرها، عظيمها وحقيرها، هذا لا يعلمه إلا الله وحده.
وهناك غيب جزئي يُطْلِعُ الله عليه أنبياءه فيخبرون الناس بما سيحصل في المستقبل، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن علامات الساعة المستقبلية، فهو غيب أطلع الله عليه نبيه ليخبر الناس به.
وقد حدثنا القرآن عن مثل هذا في سورة الكهف في قصة النبي موسى والنبي الخضر عليهما السلام، حيث إن الخضر لما قتل الغلام، ولما بنى الجدار، أخبر عن الغلام أنه لو كبر سيكون ولداً كافراً عاقاً. وأن الجدار تحته كنز سيخرجه مستقبلاً يتيمان.
وهذا من الغيب أيضاً الذي يعلمه البشر بتعليم الله لهم.
وهناك غيب يعلمه الأولياء من الصالحين، من الصحابة والتابعين وأتباعهم وبقية أولياء الله الصالحين، يطلعهم الله على بعض الغيب، كما حصل مع سيدنا عمر لما كان على منبر المدينة المنورة وقال: يا سارية الجبل الجبل. وسارية صحابي كان يجاهد العدو على بعدٍ من المدينة مسافة شهر. كشف الله لسيدنا عمر الغيب فرأى العدو سيغدر بجيش المسلمين فحذرهم وهو على المنبر. ولما رجع سارية أخبر الناس بذلك.
أليس هذا كشفاً وضرباً من الغيب؟
ألف علماء الإسلام كتباً في هذا، كالإمام أبي القاسم الّلالِكائي "المتوفى سنة 1027 ميلادي " له كتاب: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وجزء منه عنوانه: "كرامات الأولياء". فيه عجائب من كشف الغيب للسادة الصحابة والأولياء الصالحين.
وهذا الحافظ أبو محمد الخلال الحنبلي "المتوفى سنة 1047 ميلادي" ألّف كتاباً اسمه: "كرامات الأولياء". فيه عجائب عن كشف الغيب للصالحين. وكرامات الأولياء المتعلقة بالأمور الغيبية والمستقبلية، مما هو مدوّن في كتب العقيدة، ويعتبر جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، والمخالف يعتبر شاذاً عنهم.
وهذان الإمامان " الّلالِكائي والخلال" من أئمة المسلمين الذين هما من أبعد الناس عن الخرافات والدجل .. عندما يذكران القصة يذكرانها بسندها.
وتفاسير الصحابة للرؤى كثيرة،
وكثير منها يتعلق بالكشف عن بعض الغيب،
وتفاسير العلماء الربانيين بعضها كشف عن الغيب.
وهذا الكشف عن الغيب مما أذن الله للمتخصصين به، كحال الكشف عن مستقبل درجات الحرارة، والكشف عن كثير من الأمور الكونية التي نعيشها، يتم الكشف عن المستقبل بعلم وفهم، وكذلك بعض التفاسير يتم الكشف عن بعض المستقبل من أجل التنبيه والتحذير، وقد صدقت كثير من التفاسير التي فسرتها تتعلق بمستقبل معين لناس معينين، انتفعوا منها انتفاعاً طيباً والحمد لله.
إذن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله، والغيب المقيد أو الجزئي يعلمه بعض الناس بتعليم الله لهم.
وليت من يتكلم عن مسألة الغيب أن يدرس الموضوع من كتبه الأصلية ومصادره العلمية، كي يكون كلامه علمياً موفقاً موافقاً لأمر الله تعالى: "ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلم". أي اسكت عما لا تعلمه وليس من تخصصك. ولا تتكلم ولا تتفوه إلا بعلم وفهم.
هل تفسير الأحلام نوع من أنواع الدجل؟
معاذ الله أن يكون نوعاً من الدجل وقد مارسه النبي صلى الله عليه وسلم ومارسه قبله بعض الأنبياء كسيدنا يوسف عليه السلام، ومارسه من أكابر الصحابة الفقهاء النبلاء العلماء كأبي بكر وعمر وعائشة وحفصة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
ويكفي هذا دلالة واضحة أن تفسير الرؤى علم شريف نبيل ممدوح أمره في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ولا يرضى الله ورسوله إلا العلم النافع الشريف.
قال الله تعالى في سورة يوسف لما سأل الناس النبيَّ يوسف عليه السلام عن المنام: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ" ففسر النبي يوسف المنام، ولو كان التفسير دجلاً لما سمي في القرآن فتوى.
ولو كان التفسير دجلا لما علمه الله نبيه يوسف.
ولو كان التفسير دجلا لما ذكره الله تعالى من النعم التي أنعم الله به على نبيه يوسف عليه السلام: "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" "رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" "وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ"
ولذلك من أخطر المخاطر على دين الإنسان وسلوكه وسمعته أن يسمي الأشياء بغير مسمياته، فيسمى العلم جهلاً، والدّين دجلاً، ويسمى الجهل علماً، والفسق فهماً ونجاحاً .
تعليقات
إرسال تعليق